الاثنين، 16 أبريل 2012

طريق سفر


دائماً ما تثيرني طرق السفر الطويلة وأظل أنظر من نافذة السيارة حتى يغلبني النعاس، ولا أكل أو أمل من النظر للطرق الصحراوية، وأضيق ذرعاً بشكل دائم حينما يحاول أحدهم محادثتي من باب المرح أو حتى يمر الوقت ولا نشعر به، وكثيراً ما أقوم بوضع السماعات الخارجية لهاتفي داخل أذني حتى يظن البعض أني استمع لشئ ما أو أغمض عيناي حتى يظنوا أني نائمة فينصرفوا عني، وبالأمس كنت في طريق سفر وهو أمر لم يحدث منذ أشهر عدة، وقد كانت رحلة مفعمة بالمشكلات حيث أنني لم أكن أريد خوضها منذ البداية ولعل أهم الأسباب التي جعلتني أرضخ للضغوط الخارجية هو حاجتي للإنفراد بي في طريق سفر، وبدأت الرحلة بانتظار قارب الأربع ساعات من أجل تجمع أفراد الرحلة الذين لم تكفيهم خمسة حافلات كبيرة، وطوال تلك الفترة أقاوم نفسي التي تدعوني للرحيل والعودة للمنزل خاصةً وأني لدي عمل لم أقم به بعد وسأعود بعد انتهاء الرحلة لأعمل أيضاً وهو الأمر الذي سيصيبني بالإرهاق الشديد وربما الإعياء كذلك كما أنها رحلة أقوم بها رغماً عن إرادتي منذ البداية، إلا أني أعود وأزجر نفسي في عنف لأنه لن تتاح لي تلك الفرصة مرةً أخرى قريباً خاصةً وأن ما يميز تلك الرحلة أني أستطيع الهروب من الجميع بدعوى أن لدي عمل يجب القيام به، فانتظرت الأربع ساعات في صبر ظننتني فقدته منذ أمد بعيد وبدأت الرحلة ونظراً لأن عدد صحبتنا يبلغ خمسة أفراد فقد أعلنت أني من سيجلس بمفرده لأنني أريد أن أعمل أو أنام ورأيت تردد البعض من أن أجلس بمفردي ولكنني أصررت علي رأيي، وبالفعل بدأت بوضع السماعات الخارجية لهاتفي لأستمع لبعض الأغنيات ريثما تنتهي الحافلة من السير وسط المدينة تمهيداً لخوض الطرق الصحراوية، إلا أنه عكر صفو متعتي البسيطة أن هناك حافلات أخرى لم تستطع معرفة الطريق بشكل جيد وكانت هناك آلاف المكالمات الهاتفية التي تُجري في ذات الوقت والكثير من الشرح والتوضيح والصراخ والصوت العالي، ونال هاتفي الجوال حظه من تلك المأساة حيث أُنتزع مني انتزاعاً لإجراء بعض المكالمات الهاتفية فقمت بفتح حاسوبي من أجل أداء بعض العمل المتراكم، وصلت الحافلات لمستقرها الأخير وانتظرنا حتى يتم تجميع بقية الحافلات وكان الليل قد حل وبدأ أصدقائي في التحضير لحضور الحفلة الغنائية واتخذت أنا مكان ما في نهاية مكان الحفل وافترشت الأرض التي أعشق العمل عليها ورفضت الخروج من مكان الحفل لأجلس في مكان أخر حتى أستطيع أن ألقي أصدقائي بعد انتهاء الحفل، وبدأت بالعمل بالفعل وانجزته وأخذت أنظر لساعتي بمعدل مرة كل دقيقتين انتظاراً لإنتهاء الوقت ليقيني أني سأظفر بخلوتي مع ذاتي في طريق العودة نظراً لأن الجميع سيكون متعب من الهتاف وسيقضون الطريق وهم نيام وسأكون بمفردي علي طريق السفر وليلاً أيضاً وكان قلبي يدق وأنا أتخيل ذلك، وقضيت وقتي أستمتع بالنظر إلي هتافات البعض حولي وأخذت أضحك عليهم جميعاً نظراً لأن أغلبهم لم يكن في وعيه من الأساس وبالفعل انتهي الحفل ولم أشعر بالوقت الذي استغرقناه لتبدأ رحلة العودة حيث أنني قررت النوم لأصحوا عند بدء الطريق وبعد انتهاء الازدحام وهو ما حدث بالفعل
لن أستطيع أن أصف كل ما جال بخاطري في تلك السويعات القليلة التي انفردت فيها بنفسي، حيث أنني أخذت أتذكر وأسرد علي نفسي كل أحلامي التي فقدتها فتحتشد الدموع بعيني فأتذكر أني بالفعل تذوقت السعادة يوماً وهو ما يجعلني إنسانة محظوظة علي عكس البعض الذي يعيش حياته لاهثاً لا يفكر في سعادته يعيش عالم من المادة فيفيق  في أرذل العمر ليكشتف أنه لم يعمل لنفسه شيئا، كما أنني محظوظة أني تذوقت سعادة حقيقية لم أضطر فيها للكذب أو النفاق فقد كانت سعادة خالصة لأنني لم أكن أبغي من ورائها شيئاً، وبعدها ينقبض قلبي من جديد لذهاب تلك السعادة وتلك الأحلام، ثم أهدأ من جديد لأن لولا ذهابها لما استشعرت أهميتها وجمالها بتلك الطريقة، فأجمل ما في تلك الأيام السعيدة أنها ذهبت وأني أتوحشها بالفعل
عندما وصلت لوسط المدينة من جديد كنت رغم الإرهاق البادي علي ملامحي أعاني من حالة من الصفاء الذهني، وعدت إلي منزلي في السادسة من صباح اليوم وبدأت استئناف عملي حتى العاشرة صباحاً وعندما قررت النوم أغمضت عيناي فقط فأسلمت نفسي نفسها للنوم فوراً، وكان نوم هادئ للمرة الأولي منذ أشهر طويلة لا أحلم بشئ، لم أجد في نومي أية أحاديث يحاول عقلي الباطن تنبيههي لها وعندما استيقظت أيقنت أني بالفعل كنت في حاجة لأن أجلس مع نفسي لأن لا أحد يستطيع تهدئتها أو السيطرة علي الأمواج الثائرة التي تموج بها سواي   

ليست هناك تعليقات:

 
Wordpress Theme by wpthemescreator .
Converted To Blogger Template by Anshul .